بعد أن كسر القيد وأشرقت شمس الحرية وبزغ الفجر بعد ليل طال أمده على فارس ترجل عن صهوة جواده قبل ثلاثين عاما وأكثر سار خلالها على حد السيف سنة وراء سنة وساعة بعد ساعة في العتمة والظلام في حر الصيف وبرد الشتاء القارص يوصل الليل بالنهار دون ان يسقط، ويتلقى الضربة تلو الاخرى،
ورغم الالم يبقى صامتا وأحيانا ساخرا متأملاً يدرس طباع عدوه الذي لم يدخر جهدا في محاولاته لاسقاطه وزرع بذور اليأس في نفسه بهدف احباطه وكسر إرادته وانتزاع الأمل من عقله وقلبه .... تلك هي فلسفة السجون الظالمة أهلها، وتلك هي غايات السجان العنجهية والتي يسعى من خلالها إلى قهر روح الأسير النضالية بهدف النيل من قناعاته وانتمائه وزعزعة ايمانه بقضيته، لكن الاسير الفلسطيني والعربي المناضل اثبت للقاصي والداني ومن خلال صموده الاسطوري صلابته وعناده وانه ثابت على قناعته متمسكا بانتماءه وفيا لوطنه وشعبنه وعصيا على الكسر في كل الظروف. وقد شاهدتم التجلي الفتحاوي لدى الأسرى المحررين وفي مقدمتهم فخري البرغوثي وعثمان مصلح وتوفيق عبد الله وخالد محيسن وعلي المسلماني وسامي يونس وغيرهم ممن قضوا اكثر من ربع قرن في السجون والذين تأكلت الجدران من حولهم وأكل الدهر من لحم اكتافهم وغزى الشيب في رؤوسهم ونخر المرض اجساد بعضهم لكنهم بقوا على عهدهم لشعبهم وقضيتهم ووطنهم وثورتهم. والسؤال الذي يؤرقنا ويضج مضاجعنا منذ سنوات وعلى وجه التحديد بعد اتفاقيات اوسلو والقاهرة وطابا وشرم الشيخ وواي ريفر وغيرها، هو الى متى؟ إلى متى سيبقى هذا الوفاء باتجاه واحد ؟ وإلى متى سيبقى هذا الوفاء لقيادة لا تعرف الوفاء ونلمس تجاهلها ونسيانها وإهمالها ؟ ما هو دور القيادة والحركة في هذه المعادلة؟ هل هي في حل من التزامها وعهدها ومسؤولياتها ووفائها تجاه جنودها؟ اين الاسرى واين موقعهم على اجندة قيادتهم ممثلة في اللجنة المركزية والمجلس الثوري والقائد العام؟ اليس من حقنا ان نتساءل بعد عشرين عاما من المفاوضات الفاشلة والعبثية والاتفاقيات الزائفة، لماذا تم نسيان الاسرى؟ ولماذا تم الدوس على آلامهم ومعاناتهم؟ ولماذا لم يتم الافراج عن أسير واحد قتل أو شارك بقتل المحتلين باستثناء ثلاثة او اربعة اخوة فقط؟ هل يجب ان يدخل كل واحد منا موسوعة غينيس للأرقام القياسية لكي يتم الافراج عنه؟ وللأسف الشديد فقد كرست الاتفاقيات والمفاوضات مفاهيم ومسميات من العار القبول بها وتبنيها من قبل المسؤولين الذين يرددونها كالاسرائيليين بالضبط ! فأي قيادة وطنية هذه التي تقبل بالتصنيف الأمني لأسراها وتوافق على التعامل معهم وفق مدة محكوميتهم او مكان نضالهم او وفقا لما قاموا به من نشاط في مواجهة الاحتلال بناء على اوامر قادتهم؟ واسألوا ابو شادي وابو الناجي بأمر من قاموا بعملياتهم ونشاطهم لتصبح اياديهم ملطخة بدماء الاسرائيليين! ان الجميع قام بمقاومة الاحتلال في اطار حركة فتح او اي فصيل آخر وبقرار من قيادته وقد تلقينا وعود شخصية وخطية ومسجلة بالصوت من الرئيس ابو مازن تقول انه سيتم الافراج عن جميع الاسرى خلال اربعة اشهر من تنفيذ الاتفاقيات وها قد مضى عشرين عاما وما زلنا في الزنازين ولقد تركتنا القيادة الفلسطينية لمصيرنا وقدرنا ننتظر رحمة اسرائيل المحتلة وكأننا لسنا جزءاً من هذه الحركة ولا علاقة للقيادة بنا. هذه هي الحقيقة المرة التي ندركها منذ سنوات وإن كنا نكابر احيانا اخرى كي لا ينهار كل شيء من حولنا وطوال السنوات ونحن نحاول ان نتشبث بخيوط الامل. وقضينا السنوات الست الاخيرة نبتهل ونصلي وندعو الله ان يحفظ الجندي شاليط كأسير لدى حماس حياً لقناعة كل واحد منا واماله ان يكون احد المفرج عنهم في هذه الصفقة وعشنا قبل ذلك على الأمل ان يفرج عنا في صفقات حزب الله وقبل ذلك عشنا على امل رون اراد وعشنا على آمال وضعناها لأنفسنا كي تستمر الحياة داخل السجون رغم قناعتنا ان القيادة ليس معنا. اننا اليوم وبعد ان استطاعت حماس اطلاق سراح عدد كبير من عناصرها (363) أسير في صفقة تبادل حمساوية بامتياز. وبعد انتهاء هذه الصفقة وبعد ان تبين لنا الخيط الابيض من الخيط الاسود واتضحت الرؤية تبين اننا كنا نحلق في فضاء من الوهم في السنوات الماضية ونتشبث بخيوط وهمية لم تكن موجودة أصلاً فسقطنا مرة اخرى الى ارض الواقع الأليم وعدنا الى عتمة الزنازين نتلمس جدرانها علنا نجد طاقة او حتى ثقباً يبعث فينا بعض النور وبصيص من الأمل فلم نجد شيئاً لا لأننا فقدنا حاسة اللمس او لم نعد نحسن تحديد الاتجاهات بل لأننا ادركنا مرة اخرى اننا على ارض الواقع وفي الحقيقة اسرى فتح منسيون الى الأبد وغائبون غن ذاكرة قيادتنا واللجنة المركزية والمجلس الثوري والقائد العام. ان القيادة والقائد الذي يترك جنوداُ له في ارض المعركة يفقد اهليته للقيادة وهذا ليس شعار بل شعور يجول في خاطر كل واحد فينا وادراك حقيقي يساور قلوبنا وقناعة تسربت الى نفوسنا حيث لا يعقل ان يكون السلام للقادة ومع القادة ومن فوق رؤوس وجماجم وحطام المناضلين الذين دفعوا كل الاثمان كي يصبح لنا وللقضية عنوان. ان القيادة المسؤولة والفاعلة هي التي تخلق الفرص وتبتكر الاسباب لتوظيفها من اجل خدمة المصالح الوطنية وتحويلها الى اوراق ضاغطة لتحقيق بعض الانجازات. والقيادة الثورية الفاعلة ليست تلك القيادة التي تفرط بما لديها من اوراق وتقدم التسهيلات وتخفف الضغوط عن عدوها دون اي مقابل وبعد ان ثبت بالدليل القاطع ان اسرائيل لا تفهم الا لغة واحدة لم يبقى امام شعبنا وقيادتنا الا ان تأخذ زمام المبادرة من اجل تحرير الاسرى ونحن لا ولن نقبل الانتظار الى ما لا نهاية ويتعين على قيادة الحركة ان تثبت انها اهل للقيادة وانها مسؤولة وفاعلة وعليها اتخاذ القرارات التالية:- 1- وقف التنسيق الأمني المجاني وربطه بتنفيذ الاستحقاقات الوطنية وفي مقدمتها وقف الاستيطان واطلاق سراح الاسرى. 2- تقديم خطاب سياسي واعلامي جديد يؤكد على اطلاق سراح الاسرى كشرط لاستئناف المفاوضات وليس نتيجة لها وعدم ترحيلها الى ما يسمى بالحل النهائي. 3- الاعلان رسميا ان قضية الاسرى وتحريرهم هدف جوهري واولي واساسي لحركة فتح وللقيادة الفلسطينية. وان كافة الخيارات من اجل تحقيق هذا الهدف مشروعة ومفتوحة وشرعية. 4- الاشتراط ان اي دفعة جديدة من الافراجات يجب ان تشمل جميع الاسرى القدامى قبل عام 2000 دون استثناء اضافة الى شمولها لأكبر عدد من المؤبدات والاحكام العالية والقادة السياسيين والرموز الوطنية وعلى رأسهم الأخ المناضل مروان البرغوثي. وفي الختام كفانا شعارات وخطابات وتصريحات بدون اي مضمون ولا رصيد لها ونحن لا نريد ان نكون في قلوبكم بل نريد ان نكون على اجندة عملكم الصادق وعلى رأس سلم اولوياتكم سياسياً واجتماعياً وجماهيرياً ونضالياً. الأسير الحر كريم يونس
إضافة التعليقات متوقفة حاليا - ترجى المعذرة.
Comments will undergo moderation before they get published.