بقلم المحامي فهمي شبانة التميمي / القدس

التقيت الرجل ابن الستين عاما في أحد شوارع القدس وبادرني بالتحيّة وبادرته بالسؤال :
-  شو قصّة الشهادات اللي بتجيبها للناس ؟
- فقال ضاحكا : أتريد شهادة ماجستير أو حتى دكتوراه  ؟
- قلت له : من أين ؟ 

- قال : من رومانيا وروسيا وغيرهم من البلدان الشرقية .
- فقلت له : لا أعرف اللغة الرومانيّة ولا الروسيّة.
- فقال : مش مهم , ما عليك إلا أن تدفع 7 ألاف دولار وتذهب زيارة لرومانيا في منتجع   هناك وسيكون لك هناك ضيافة ... ناعمة ... وغيرها وتحصل على الشهادة الجامعيّة المطلوبة وأنا أقوم بكلّ ما يلزم.
- فقلت له : يا رجل هل أنا مجنون أن أحصل على شهادة دون أن اعرف لغة البلد الذي حصلت على شهادة منها  .
- فقال : كلّهم هكذا.
- فقلت:  كيف ؟
- فسرد لي أسماء البعض وقال : لقد حصل فلان على مدير عام من شهادة الدكتوراه التي أحضرتها له  ولكنّه نصب عليّ بألف دولار , وذلك المحامي الذي أحضرت له شهادة الحقوق وهو اليوم يعمل بموجبها وله مكتب بل وإنّه معتمد من وزارة الأسرى .
- فقلت له: إسمع , هذا الحكي في الطريق ما بنفع شو رأيك تيجي على مكتبي في المخابرات الفلسطينية بأمّ الشرايط في رام الله وهناك بنحكي براحتنا وعليك الأمان .
- فاستعدّ الرجل لذلك وقال : أنت أبو يوسف كنت طالب عندي وأنا استاذك وأنا والله بحترمك وراح أجي يوم الأحد القادم عندك فاتفقنا على الموعد .
وفي اليوم المحدّد وفي مكتبي بالطابق الخامس بالمخابرات الفلسطينيّة العامّة , هذا الطابق الذي كان يضمّ مكتب رئيس المخابرات ومكتبي , التقيت الرجل (ش , ل) وبعد الحديث في الأمور العامّة وأحوال الناس
- قال:  بس أنا يا أبو يوسف ما بدّي مشاكل مع هؤلاء فمن أحضرت لهم هذه الشهادات أصبحوا مسؤولين في الأجهزه الأمنيّة وفي أماكن مهمّة في الوزارات .
- فطمأنت الرجل وبدأت الابتسامة على وجهه وقلت له : ما رأيك أن نبدأ بالمحامي الذي تعتمده وزارة الأسرى كمحام لها .
- فقال :  إنّه المحامي اسماعيل الطويل .
- فقلت له : الذي كان يسكن في الخليل
- فقال : هو بنفسه
(وكان للحديث مع الرجل بقيّة وتشعّبات سأذكرها فيما بعد)  وفي نهاية اللقاء ودّعت  الرجل وخرج من المقرّ العامّ بسلام ووعد أن يتواصل معنا ويزوّدنا بكشف كامل عن جميع من حصلوا على مثل هذه الشهادات .

بدوري قمت بمراسلة مخابرات محافظة الخليل والسؤال عن هذا المحامي لتزويدي بالبحث الأمني عنه فوردنا أنّ هذا المحامي  كان قد تمّ اعتقاله لشبهات أمنيّة وتمّ التحقيق معه وانتقل للعيش من الخليل إلى رام الله وهناك أنشأ علاقة مع بعض رجالات جهاز الأمن الوقائي في رام الله ليوفّروا له الحماية وكان يحضر الفتيات لأحد مسؤوليهم وساعدوه في التسجيل بنقابة المحامين حيث اعترضت النقابة الفلسطينيّة في حينه على تسجيله كعضو ممارس لمهنة المحاماة ولكنّه استطاع الحصول على قرار من المحكمة بمعاونة علاقاته مع رجالات ذلك الجهاز الأمني وتمّ تسجيله كمحام وافتتح مكتبا له في منطقة الرام , بعد ورود البحث الأمني قرّرت استدعاء هذا المحامي والتحقيق معه وفعلا تمّ احضاره ولاختصار كل الوقت تمّ سؤاله سؤالين فقط :
1-   اين حصلت على شهادة الحقوق ؟  قال : من روسيا .
2-   ما معنى كلمة محام وقاضي ومحكمة في الروسيّة ؟ فلم يعرف وقال : نسيت .
في هذه الأثناء تمّ الاتصال من جهاز الأمن الوقائي للسؤال عن وضع مندوبهم واستعدوا على إحضار كافّة الاثباتات المطلوبة لملفّه وتمّ اخلاء سبيله بكفالتهم ولم يفعلوا .
بعد اسبوع التقيت في وزارة الماليّة مع وزير الأسرى وسألته :
- كيف تعتمدون هذا المحامي وترسلونه لمقابلة الأسرى وسجلّه الأمني مشبوه , ممّا يشكّل خطرا على الأسرى حيث أنّهم سيفشون بأسرارهم له على اعتبار أنّه من طرف الوزارة ؟ وتمنّيت أنّني لم أسأل هذا الوزير السؤال لأنّه أجابني :
- أستاذ فهمي : هذا الرجل بجيب صفقات كويسه وأحكام متدنيّة للمعتقلين .
- فقلت له : على سواد عيونه ؟ أم على كفاءته القانونيّة ؟ أم على جهله باللغة العبريّة ؟(لغة المحاكمات ) .
- فقال : هو يعقد الصفقات مع المحقّقين.
- فقلت له بغضب : الله يعطيك ويعطيه العافية,  وأسأل الله أن لا يطوّلها شِدّة .
وفي النهاية ما زال هذا المحامي يمارس مهنة المحاماة ويقابل السجناء باسم وزارة الأسرى ويستمع لأسرارهم , وهذه المقالة رسالة منّي إلى نقابة محاميي فلسطين التي أحترمها وأحترم  أعضاءها .

إضافة التعليقات متوقفة حاليا - ترجى المعذرة.

Comments will undergo moderation before they get published.

إغتيال عرفات

كلّ يوم يمرّ دون إجراء فحص لرفات الرئيس الراحل أبو عمّار تتضاءل الفرصة في الوصول لحقيقة اغتياله وإنّ مرور الوقت يجعل من الوصول لها مستحيلا, فمن يعمل على التأخير ومن صاحب المصلحة بإخفاء الحقيقة خاصّة وأنّ الخبراء يقولون أنّه تبقّى أسابيع منذ شهر تموز لعام 2012 ؟


العد التنازلي توقّف
بتاريخ 1-12-2012

هل تعتقد أنّ الطيراوي حصل على ال VIP من اسرائيل مقابل اغلاق ملف التحقيق باغتيال أبو عمّار

نعم - 83.5%
لا - 16.5%
التصويت لهذا الاستفتاء منتهي

هل ينطبق المثل القائل "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" على أبو مازن؟

نعم - 87.5%
لا - 12.5%
التصويت لهذا الاستفتاء منتهي

الأكثر قراءة